(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا)

د. أبو عبدالله الظاهري

١٩ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ

مقال

قال تعالى:

﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ (هود: 113).

في استراتيجية مقاومة الظلم والاستبداد، وهدم الفلسفة التي تبنيها هذه المنظومات، نجد أن الإسلام سبق كل الفلسفات الغربية، وبنى هوية المسلم وتصوراته من خلال كلام الله جل وعلا، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

ومن خلال هذه الآية نتعرّف على واحدة من هذه الاستراتيجيات التي يبنيها القرآن لكل البشر لمقاومة الظلم وهدم منظومته بالكامل. ومن وعي المجتمع نستخلص بعض الوقفات حول هذه الآية:

الوقفة الأولى:

جاءت الآيات والأحاديث المتواترة بتحريم الظلم والركون إلى الظالمين، وحرمته من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، وهو شرٌّ مطلق، كما أن العدل خيرٌ مطلق.

والظلم أمرٌ تستقبحه الفِطَرُ السوية وكل عقلاء البشر.

وهذه الآية تشير إلى أدنى درجات التعاون مع الظالمين، وهي الركون.

ما المقصود بالركون إلى الظالمين؟

المعنى المتفق عليه هو الرضا والاطمئنان أو حتى التبرير، ولا يُشترط في الركون المشاركة أو مباشرة الظلم.

فالله جل وعلا، من شدة قبح الظلم، رتب الوعيد بالنار والخذلان في الدنيا على مجرد الرضا والسكون إلى الظلم وعدم إنكاره، حتى يكون المجتمع في ثقافته ووعيه بعيدًا عن التطبيل والترويج للظلم، لأن جرمه عظيم وخطره جسيم.

الوقفة الثانية:

إنه نداءٌ لنا جميعًا، داخل البلاد أو خارجها، معارضةً أو غير معارضة.

فالوعيد بالنار جاء بصيغة الجمع ليشمل كل الناس، ولا يستثني أحدًا. بل إن التحذير والتنفير من هذا الجُرم العظيم صدر من رب العباد لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو أشرف الخلق وأعلى منزلة، حيث قال تعالى:

﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾

حتى هذا القليل من الركون إلى الظالمين عظيمٌ عند الله.

ندائي لكل من يعمل في ترسانة هذا الظلم: ترويجًا، أو تأييدًا، أو مدافعة، أو تبريرًا:

العيب كل العيب أن تستمر في التماهي مع هذا العمل القبيح والفعل الشنيع.

يا شرفاء بلاد الحرمين وكل بلاد المسلمين:

إن مدح الظالمين والركون إليهم وتبرير أفعالهم وتحسين صورتهم — فوق كونه إثمًا عظيمًا وتعرّضًا لغضب الجبار جل وعلا — هو من الأخلاق المرذولة، والطبائع الخسيسة، التي لا تليق بأمةٍ أكرمها الله بهذا الدين وهذا القرآن، الذي رفع الله به شأنها بين الأمم.

الوقفة الثالثة:

أيها المبارك الشهم:

اجعلها نقطة تحوّل في حياتك؛ المفاصلة مع الظلم والظالمين الذين نهبوا البلاد والعباد، ونشروا الفساد.

أخي المبارك: إن كثرة حديث القرآن عن تحريم الظلم والركون إلى الظالمين، لأن هذا الأمر يفسد الدين والدنيا، وضرره يتعدى إلى المجتمع، ويهلك الحرث والنسل.

ويسعك السكوت، وعدم المدح، وتجنّب أفعال بعض السفهاء، مثل تعليق صور الظالمين من غير أي تهديد أو ضرورة.

الوقفة الرابعة:

إن خطر مثل هذه التصرفات، من عدم الإنكار على ممارسات السلطة الظالمة، وتطبيع مدح الظالمين؛ أن تصبح أمرًا مشروعًا وقناعة راسخة عند المجتمع، بأن هذا الظلم، وهذا السجن، وهذا التنكيل، يدل على "سياسة حكيمة"، رغم وضوح النصوص في حرمة الظلم وقبحه.

قال الله تعالى:

﴿يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا﴾

نداء إلى العلماء والمثقفين وأهل الرأي في بلاد المسلمين:

إن الحرمة في حقكم أعظم، وأنتم سببٌ في تغوّل السلطة بغطاء شرعي، مما يصعّب رفع الظلم عن مجتمعنا.

وسيكثر سواد هؤلاء الظالمين وأعوانهم بتبريراتكم الشرعية، لأن عامة الناس للدين هيبة في قلوبهم.

الوقفة الخامسة:

نداء لكل فئات المجتمع:

إذا نفرت فرقة أو طائفة من إخوانكم للإنكار على هذا الظلم المتفق عليه — من بطشٍ وتنكيل، وإشاعةٍ للفاحشة في بلاد الحرمين، ومحاربةٍ لدين الله، وتسلطٍ على عباد الله — فاعلموا أنهم ضحّوا بأهلهم وأموالهم ووظائفهم، ليس لهم هدف إلا القيام بهذا الواجب.

فهل يليق بك، وأنت تقرأ هذا الكلام، وتسمع عن هذه الجهود المباركة، أن تقف مع الظالم وتقدح فيهم، وتساهم في إضعاف من يريد تخفيف الظلم؟

تذكّر أن فعلك هذا مشاركة في الجُرم، وسيكون خصمك هؤلاء المظلومون المسجونون والمقتولون ظلمًا وغدرًا.

نسأل الله صلاح البلاد والعباد،

والله الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.

آخر المقالات

آخر المقالات

آخر المقالات

آخر المقالات

١٩ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ

مقال

(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا)

اكتشف المزيد

١٩ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ

مقال

(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا)

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

نحسبه في منزلة سيد الشهداء لماذا نعتبر قتل تركي الجاسر نقطة تحول في تاريخ بلاد الحرمين

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

نحسبه في منزلة سيد الشهداء لماذا نعتبر قتل تركي الجاسر نقطة تحول في تاريخ بلاد الحرمين

اكتشف المزيد

١٩ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ

مقال

(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا)

اكتشف المزيد

١٩ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ

مقال

(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا)

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

نحسبه في منزلة سيد الشهداء لماذا نعتبر قتل تركي الجاسر نقطة تحول في تاريخ بلاد الحرمين

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

نحسبه في منزلة سيد الشهداء لماذا نعتبر قتل تركي الجاسر نقطة تحول في تاريخ بلاد الحرمين

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

حتمية التدرج في النهضة الحضارية

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

حتمية التدرج في النهضة الحضارية

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

المستلزمات الأساسية للتغيير التاريخي

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

المستلزمات الأساسية للتغيير التاريخي

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

التفكير المؤامَراتي: أسبابه وخطورتُه

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

التفكير المؤامَراتي: أسبابه وخطورتُه

اكتشف المزيد

١٩ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ

مقال

(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا)

اكتشف المزيد

١٩ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ

مقال

(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا)

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

نحسبه في منزلة سيد الشهداء لماذا نعتبر قتل تركي الجاسر نقطة تحول في تاريخ بلاد الحرمين

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

نحسبه في منزلة سيد الشهداء لماذا نعتبر قتل تركي الجاسر نقطة تحول في تاريخ بلاد الحرمين

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

حتمية التدرج في النهضة الحضارية

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

حتمية التدرج في النهضة الحضارية

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

المستلزمات الأساسية للتغيير التاريخي

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

المستلزمات الأساسية للتغيير التاريخي

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

التفكير المؤامَراتي: أسبابه وخطورتُه

اكتشف المزيد

٢٢ محرم ١٤٤٧ هـ

مقال

التفكير المؤامَراتي: أسبابه وخطورتُه

اكتشف المزيد